كتب هشام ساق الله – يوم جميل صحي فيه أهالي قطاع غزه على أجمل أيامهم على الإطلاق حين خرجوا لاستقبال الأسرى المحررين الذين عادوا الى قطاع غزه من سجون الاحتلال الصهيوني ليتنسموا نسيم الحرية وسط اهلهم وبيوتهم وكم كانت الفرحة عارمة وجميله في هذا اليوم الجميل والذي شابهه يوم اطلاق سراح الاسرى يوم صفقة وفاء الاحرار وخروج الاسرى في جميل رائع ايضا وتمنياتنا ان يكون هناك ايام اخرى جميله يتم فيها تبيض كل السجون ويخرج هؤلاء الابطال من السجون منتصرين ان شاء الله .
ففي 4/9/1982قامت قوة مشتركة من مقاتلي الجبهة الشعبية – القيادة العامة و حركة فتح بالهجوم على موقع لقوات الاحتلال الصهيوني الغازي في منطقة الجبل اللبناني و نتج عن هذه العملية اسر جميع من كان يتواجد في الموقع من الجنود و لم يبد الجنود في تلك العملية أية مقاومة تذكر لدرجة انه قيل حينها أنهم لو أطلقوا طلقة واحدة أو صرخوا لسمعهم من تواجد في الموقع القريب منهم وجاءوا لإنقاذهم .
أصيب احد الجنود الثمانية إصابة طفيفة تم نقله مباشرة أثناء العملية لمستشفى ميداني قريب تابع لحركة فتح وقد اشرفت المناضله فاطمة برناوي الاسيره المحرره في ذلك الوقت والتي عملت ممرضه على علاج هذا الجندي الصهيوني حتى شفائه أما الجنود السبعة الآخرون فقد تم نقل خمسة منهم في سيارات تابعة لمقاتلي حركة فتح و كان الجنديان الآخران من نصيب مقاتلي الجبهة الشعبية – القيادة العامة التي كشفت فيما بعد عن وجود جندي أسير آخر لديها قامت بأسره في 4/6/1982 مع بداية الاجتياح الصهيوني على لبنان و تكتمت عن الخبر و بهذا أصبح لديها ثلاثة جنود صهاينة.
بعد أقل من شهرين على عملية الأسر سمح لبعثة منظمة الصليب الأحمر بزيارة الأسرى الستة الموجودين بحوزة حركة فتح. وأعلن ياسر عرفات عن استعداده الفوري لبحث شروط التبادل مع إسرائيل وفي غضون ذلك أعلن المستشار النمساوي برونو كرايسكي بأنه تلقى من عائلات الجنود الإسرائيليين الأسرى طلباً للتوسط من أجل إعداد صفقة لتبادل الأسرى مع الجبهة الشعبية – القيادة العامة ومع منظمة .
إلا أن الجبهة الشعبية- القيادة العامة رفضت تحت أي ظرف كان إجراء محادثات تبادل أسرى دون حل مسالة جميع المفقودين من الأسرى الفلسطينيين وتبيان مصيرهم بعد ذلك يمكن الحديث عن محادثات عبر الصليب الأحمر من اجل التوصل لاتفاق حول التبادل،و أصرت الجبهة على عدم السماح لمندوبي الصليب الأحمرمن زيارة الأسرى الذين وقعوا في أيديها إلا بعد أن يسمح العدو بزيارة جميع أسرى المقاومة ممن كانوا في عداد ” المفقودين ” أو الكشف عن مصيرهم ، كما انتقدت خطوة عرفات عندما سمح للصليب الأحمر بزيارة الجنود دون أن يربط الأمر بمصيرالمقاتلين الفلسطينيين الذين أخفى العدو الصهيوني وجودهم عن الصليب الأحمر.
في تلك الفترة أي بعد عملية الأسر كانت الساحة الفلسطينية تعيش حالة من شبه الوفاق السياسي بين الفصائل المختلفة و كان هذا قبل الانشقاق الذي وقع في حركة فتح و اثر سلبا على الوضع الفلسطيني بشكل عام ,و لهذا فقد اتفقت الجبهة الشعبية- القيادة العامة و منظمة التحرير على تشكيل وفد مشترك يحمل مطالب موحدة للتفاوض غير المباشر مع دولة الاحتلال عبر الصليب الأحمر و الوسيط النمساوي بخصوص عملية التبادل ,وبعد مشاورات بين الجانبين اتفق على تقديم الشروط التالية لإتمام عملية التبادل:
1- تحرير كافة معتقلي معسكر أنصار الذي أقامه جيش الاحتلال أثناء اجتياحه لبنان , و إغلاق المعتقل نهائياً و كذلك بالنسبة لمعتقلي سجون صيدا و صور و النبطية .
2- إعادة جميع ما سلبه الجيش الصهيوني من مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت و تسليمه للمنظمة.
3- تحرير1250معتقلا من سجون الاحتلال الصهيوني في فلسطين , حسب قوائم الأسماء التي يضعها الفصيلان .
4- تخيير كل معتقل في سجون الاحتلال الصهيوني في فلسطين البقاء بين أهله في وطنه أوالمغادرة.
5- أن تتعهد ( الحكومة الصهيونية ) بعدم إعادة اعتقال أي أسير محرربنفس التهم التي دخل بسببها المعتقل .
وقد ضم الوفد المشترك كلا من جمال الصوراني و فخري شقورة عن فتح وعمر الشهابي و تحسين حلبي عن الجبهة.
عقدت أول جلسات التفاوض في جنيف في منتصف شهر تشرين أول بين الوفد المشترك ووفد الصليب الأحمر الذي ضم السيد جون هوفليجر مدير دائرة الشرق الأوسط في الصليب الأحمر و السيد ميشيل كانيومدير قسمفلسطين المحتلة في المنظمة الدولية وذلك صباح يوم السبت 22/10/1983 . وكانت هذه الجلسة مخصصة لموضوع المفقودين من المقاتلين الفلسطينيين ومعرفة مصيرهم مع العلم بان الجبهة لازالت تتكتم عن مصير وعدد الجنود الذين بحوزتها.
بعد عدة جلسات صعبة وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود نتيجة الابتزاز و التعنت الصهيوني أو ربما نتيجة تقدمه في مسار آخرمن المفاوضات السرية كانت تجرى بدون علم الوفد المشترك, و هذا ما أكدته الأيام اللاحقة, فقد عرض الجانب الصهيوني على الوفد المشترك من خلال الصليب الأحمر إطلاق سراح 2500معتقلً من أنصار من أصل 5000 و 50 معتقلاً من الداخل مقابل الإفراج عن الستة أسرى من جنوده وكان يعمل باتجاه معرفة مصير جنوده المفقودين كشرط لتنفيذ عرضه هذا , فكانت النتيجة توقف المفاوضات
قبل أن يمضي شهر واحد على وقف مفاوضات جنيف فوجئت الجبهة الشعبية – القيادة العامة كما فوجئ الصليب الأحمر و الوسيط النمساوي – صبيحة 24/11/1983، بنبأ يعلن بدء تنفيذ عملية تبادل الأسرى بين حركة فتح ودولة الاحتلال من ميناء طرابلس بلبنان ، حيث سلم في الساعة الثامنة صباحاً الأسرى الست من جنود العدو عبر الصليب الأحمر عبر باخرة فرنسية سلمتهم بدورها إلى قوارب عسكرية إسرائيلية في عرض البحر ليتضح فيما بعد أن المفاوضات حول هذه الصفقة قد بدأت قبل انهيار مفاوضات الوفد المشترك ,حيث أنه من غير المعقول أبداً أن تكون قيادة عرفات قد توصلت إلى عقد هذه الصفقة المنفردة مع تل أبيب خلال الأسابيع القليلة التي تلت إيقاف المحادثات في جنيف من قبل الطرف الصهيوني المفاوض في 27/10/1983 ,فقد تبين بشكل واضح أن عرفات أرسل وفده إلى جنيف برئاسة الصوراني في وقت كان يرتب من مكتبه في طرابلس وعبر مساعديه ، محادثات أخرى مع الطرف الصهيوني لعقد صفقة التبادل المفرطة، وقد تمت هذه المفاوضات برعاية مصرية و ايطالية وفرنسية .
بموجب تلك الصفقة أطلقت السلطات الصهيونية 63 أسيراً فلسطينياً فقط من أصل ( مائة ) كان عرفات قد اتفق معها على تحريرهم قامت بإيصالهم إلى المطارلتعيد 37 منهم إلى السجون ، و من بينهم زياد أبو عين ، الذي كانت حكومة الولايات المتحدة قد سلمته إلى السلطات الصهيونية منذ عام 1983 ,
كما اطلق سراح 3 آلاف معتقل من ” أنصار ” كانوا في الواقع عبئاً على المحتلين الصهاينة بسبب الطريقة العشوائية للاعتقالات التي رافقت الاجتياح الصهيوني للجنوب اللبناني ،و انقضاء الغرض من عملية حجز آلاف المدنيين من نساء و شيوخ،ومنها أسركاملة بدون محاكمات بما أثارته من ردود فعل دولية واسعة, ولم يتم إغلاق المعتقل ,وتم استثناء عناصر الجبهة الشعبية- القيادة العامة الموجودين في معتقل أنصار و تحويلهم إلى معتقل عتليت داخل فلسطين المحتلة، كما اختطفت قوات الاحتلال مراد بشناق ابن شقيقة احمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية- القيادة العامة و المسئول عن عملية اسر الجنود.
لقد تمت هذه الصفقة في وضع صعب كانت تعيشه الساحة الفلسطينية نتيجة الانشقاق الذي حصل داخل حركة فتح وتداعياته على الوضع الفلسطيني برمته ، كما وأصابت المعتقلين الفلسطينيين في سجون العدو مشاعر الخيبة و الألم ، فيما استظل عرفات في ” زفة الفرح ” التي اختلقها بعد عملية التبادل .
في شباط 1984بدأ الدكتورهربرت إيمري سفير النمسا لدى أثينا ومبعوث السيد كرايسكي ، المستشار السابق للنمسا ومنظمة الصليب الأحمر مواصلة جهوده السابقة بشأن موضوع الأسرى ،فاتصل بقيادة الجبهة عارضاً مبدأ التفاوض على أساس المعطيات السابقة ، فوضعت قيادة الجبهة صيغة الأولويات الملحة كانت أولاها مسألة معرفة مصائر المفقودين من عناصر الثورة الفلسطينية بكافة فصائلها.وفي بداية شباط 1984 سلم الطرف الصهيوني بواسطة مندوب الصليب الأحمر بدمشق لقيادة الجبهة قائمة تضم أسماء 128 من الأسرى المفقودين الذين تم نقلهم إلى سجون الداخل بعد صفقة حركة فتح.
وبعد معرفة الجبهة الشعبية- القيادة العامة مصير المفقودين ورفع الستار عن مصير الجنود الصهاينة الثلاثة المحتجزين لدى الجبهة،بدأت مرحلة جديدة من المفاوضات من اجل عملية التبادل و كان شرط الجبهة أن توافق دولة الاحتلال على العدد قبل الشروع بتقديم الأسماء وان لا تضع فيتو على أي من الأسماء،وبعد مفاوضات عسيرة تم تلبية هذه المطالب .
بعد ذلك تقدم وفد الجبهة بطلب إطلاق سراح 1187 معتقلا من الداخل , وهو مطلب قديم كان جزءاً من اتفاق عام 1983 قبل صفقة التبادل المنفردة مع حركة فتح الذي تم فيه إطلاق سراح 63 معتقلاً بدلاً من 1250 و كذلك إطلاق سراح128معتقلا كانوا قد نقلوا من معتقل أنصار عشية الاتفاق على التبادل مع حركة فتح , من بينهم مراد بشناق , ومقاتلان من الجبهة اللذان أخفيا في لبنان , فيصبح المجموع1315أسيرا و جدد وفد الجبهة المطالبة بإغلاق معتقل أنصار و إطلاق سراح جميع معتقليه استناداً إلى اتفاق 1983 .
بعد مفاوضات عسيرة و في غاية الصعوبة استمرت سنتين ونصف تحققت جميع مطالب الجبهة، ووافقت دولة الاحتلال على إطلاق سراح 1155 معتقل فلسطيني مقابل الإفراج عن جنودها الثلاثة، و بهذا تجاوزت دولة الاحتلال خطوطا حمر كانت قد رسمتها لنفسها وقدمت تنازلات جوهرية وأساسية لم تكن تقبل بها من قبل وبالتالي لم يكن يدور في خلد الكثيرين من المتتبعين للصراع العربي الصهيوني بأن العدو الصهيوني يمكن أن يرضخ لمثل الشروط التي رضخ لها في عملية التبادل.
ولم تستطع دولة الاحتلال أن تعترض على أي من الأسماء الواردة في قائمة الجبهة الشعبية- القيادة العامة ، أو أن ترحل أيا من المعتقلين خارج فلسطين، حيث نص الاتفاق على أن للمعتقلال حق أن يختار بأن يطلق سراحه ويخرج خارج الأرض المحتلة , أو يبقى بين أهله وعائلته في بيته وعلى أرضه ,وعلى السلطات الصهيونية أن تلتزم بعدم اعتقاله بنفس التهم السابقة لإطلاق سراحه، وقد قدمت السلطات الصهيونية تعهداً موثقاً مكتوباً بذلك للصليب الأحمر الدولي , محفوظا لديه .
ومن ابرز المعتقلين الذين تم إطلاق سراحهم الشيخ الشهيد احمد ياسين و المناضل الياباني كوزو اوكوموتو.كما تضمنت الصفقة إطلاق سراح 50 من فلسطينيي ال 48 و99من دول عربية مختلفة و 6 من دول أجنبية.
وفي يوم الاثنين 20 أيار من عام 1985تمت عملية التبادل و تم تسليم الجنود الصهاينة الثلاثة إلى الصليب الأحمر واستنشق الأسرى المفرج عنهم نسيم الحرية وفك قيدهم وسجلت هذه الصفقة المشرفة في التاريخ الفلسطيني بكل فخر واعتزاز ، و أطلق عليها”عملية الجليل” كما سجل التاريخ الفلسطيني بكل اعتزاز صلابة و حنكة المفاوض الفلسطيني الذي أدار هذه المفاوضات على أكمل وجه .
وكان هذا اليوم يوم عرس وطني تجسدت فيه الوحدة الوطنية بأروع صورها ، وتحقق فيه الحلم الفلسطيني بأبهج أشكاله ، يوم انتصرت فيه الإرادة والعزيمة الفلسطينية ، ، يوم استقبلت فيه القدس والجليل والمثلت ومدن وقرى الضفة والقطاع ومخيمات الشتات أبنائها الأسرى المحررين ، المنتصرين العائدين إلى بيوتهم وأهلهم وأحبتهم .