الاسيره المحررة عايدة سعد بطله من الزمن الجميل باليوم العالمي للمراه

0
1014


كتب هشام ساق الله – في جلسه جمعتني في بيت المناضل الاسير المحرر العكاوي فوزي النمر مستشار الرئيس الشهيد ياسر عرفات للتواصل الإنساني مع أهلنا في فلسطين التاريخية وتحدثت الى زوجته المناضلة فاطمة البرناوي الاسيره الاولى لحركة فتح في سجون الاحتلال والقائد المؤسس للشرطه الفلسطينيه .

وكان ضمن الجلسه الرائعة الاخ الأسير المحرر الباحث في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانه والاخ المناضل محمد النحال عضو المجلس الثوري لحركة فتح وزوجته وابنه جهاد وتحدثت المناضله فاطمه برناوي في يوم المراه العالمي عن غيرها من الأسيرات اللواتي لم يأخذن حظهن بالإعلام ولم تسلط الاضواء على بطولتهن تحدثت عن المناضلة عايدة سعد ابنة حركة فتح ومدينة غزه المناضلة التي اعتقلت وهي من العمر سبعة عشر عام .

وتحدثت عن هذه البطله التي قامت بعدة عمليات وكانت من المجموعات الأولى لحركة فتح في قطاع غزه اضافه الى انه كانت يتيمة وفقدت ثلاثة اخوه لها استشهدوا عام 1956 وكانت من أروع المناضلات خلال فترة الأسر الذي أمضتها فاطمه معها وتحدثت عن روعة العلاقات الاخويه والكفاحيه بين كافة الأسيرات في سجون الاحتلال الصهيونيه رغم اختلاف الانتماءات التنظيمية .

وقد قمت بالبحث على شبكة الانترنت عن هذه المناضلة التي ارغب بتسليط الأضواء عليها رغم عدم وجود معلومات كثيرة عنها فانا اعرف شقيقها الأخ فوزي سعد ابوعيسى الذي يمتلك محل للخياطة بجوار مكتب وكالة الإنباء الفرنسية سابقا المكان الذي كنت ارتاده دائما وقد تزوج ابنته الاخ الصديق المناضل وفيق ابوسيدو وكانت شقيقاتي على علاقه ببنات شقيقه ولهم زماله في المدرسه وكانوا دائما يتحدثون عن بطولة عمتهم المناضله عايده .

وقد وجدت وانا ابحث بالانترنت عنها فوجدت مقابله اجرتها المدونه رشا عبد الله سلامه نشرتها على مدونتها الشخصية مع المناضلة عايدة سعد في دولة الامارات العربيه قررت نشرها كما ماورد التي اجريتها عام 2008 واضع القاري بمناسبة اليوم العالمي للمراه جزء من حديث المناضله التي لم تعطها وسائل الاعلام حقها بإبراز بطولتها وتضحياتها وتجربة أسرها متمنيا من الله ان يمنحها الصحه والعافيه .

عايدة سعد تروي قصة نضالها

مضت في ذلك اليوم بينما دماء إخوتها الثلاثة تلوّن رؤيتها للعالم، وهدير خطابات جمال عبدالناصر وأغنيات عبدالحليم حافظ تهيمن على مسامعها… مضت بينما صورة أهلها كما باقي الفلسطينيين تراوح بين شعب مظلوم يقاسي الويلات من المحتل الإسرائيلي وبين صورته في طابور المؤن وقد اختزل العالم معاناته ببضعة لقيمات تضمن له عيشا ممعنا في الظلمة.

إنها المناضلة الفلسطينية عايدة سعد، التي سارت بها جراح شعبها النازفة في ظهر ذلك اليوم نحو معسكر للجيش الإسرائيلي في غزة، لإلقاء قنبلتين على إحدى الدبابات.

كان ذلك قبل تسعة وثلاثين عاما، حينها لم يكن عمرها يتجاوز السابعة عشرة بعد. وبرغم ذلك العمر الفتي لم توقف أحلام الصبا ولا مخاوفه عايدة، بل مضت تحمل روحها على كفها غير آبهة بما قد سيحل بها على أيدي جنود الاحتلال إن لم تستشهد في العملية.

اليوم، تعيش عايدة سعد في إمارة دبي، منذ قرر الشيخ زايد رحمه الله استضافتها بعد رحلة اعتقال ومنفى طويلة. تعيش هناك بينما لا تصدق في قرارة نفسها أنها استطاعت احتمال وتجاوز كل ما مر بها.

تقول “وُلدت يتيمة، وترعرت على دماء استشهاد اخوتي الثلاثة في قصف غزة عام 1956 والتي لجأ إليها أهلي من يافا بعد نكبة عام 1948. كانت غصة حارقة تملأ قلبي عندما أرى والدتي التركية الأصل تصطف وباقي أبناء شعبنا في انتظار المؤن….”.

لحظات صمت تطبق على حديث سعد، بينما تمر ذكريات الحياة الأليمة حينها أمام عينيها. تعاود القول “برغم ضيق ذات اليد، إلا أن حبا وحنانا كانا يسودان بيتنا برغم جراح وفاة الأب واستشهاد الأبناء. جراح شعبنا كانت ممتزجة وقتها حتى اللُّحمة، وهذا ما جعل قلبي يحترق على استشهاد أول شاب في شارعنا الذي كنا نقطنه في غزة، كان ذلك الشاب هو مازن أبو غزالة، الذي دفع إخوته أيضا أرواحهم ثمنا للقضية”.

لم تطل معاناة القهر حينها على عايدة وأبناء جيلها حتى هبّوا جميعا نحو العمليات الفدائية التي كان همها الأول إسماع العالم بمعاناة الشعب الفلسطيني، وكذلك إلحاق أكبر قدر مستطاع من الخسائر في صفوف الاحتلال حتى يصل إلى قناعة بأن اغتصاب الأرض والحق لن يمر بسهولة كما يعتقد.

وبعد أن تمرست سعد منذ كانت خمسة عشر عاما على استخدام السلاح، جاءها النداء عبر راديو صوت فلسطين، الذي يبث من القاهرة قبل أيام من تنفيذ العملية بأن “العصفور فوق الشجرة”، وفي يوم العملية بأن “العصفور ينطلق”.

تقول سعد “كانت هنالك سرية تامة، فحتى يوم العملية لم أكن أعلم من خطط ومن الذين سيكونون معي، وما هو رقم الدبابة التي سأرمي عليها القنبلتين. ولم يكن أحد من أهلي يعلم بالأمر إلا أخ لي كان ضابطا في جيش الشقيري”.

ملامح قوة ترتسم على محيا سعد، تماما كما تلك اللحظات التي ارتدت فيها ملابس منفتحة كي تبعد عن ذاتها الشبهة، بينما قنابلها مخبأة تحت تلك الملابس. تقول “تسللت إلى المعسكر، واختبأت وراء إحدى المجنزرات، وإذ بأفراد من الجيش الإسرائيلي يكتشفون أمري، حينها هددوني بالقتل فرميت عليهم القنبلة الأولى ومن ثم الثانية. وبعدها شعرت بشيء قوي يرتطم بي بعدما هوى من الأعلى، وإذ بها رِجل مبتورة لأحد جنود الاحتلال”.

بصوت يرتجف توترا، تقول “في لحظات انهمر عليّ رصاص الاحتلال، فلم أعِ إلا وملابسي غارقة في الدماء ومن ثم غبت عن الوعي”.

دموع تترقرق في عيني عايدة، بينما تقول “أذكر بأنني هذيت بكلمات في تلك اللحظات كي يعرفني العالم إن استشهدت. كنت أقول أنا عايدة سعد.. بنت الثورة… عبدالناصر…. مازن أبو غزالة.. حتى شدني أحد جنود الاحتلال من شعري وضربني بخاتمه على أذني فانكسر بها ما سبب لي حتى اليوم ضعفا في السمع”.

تنهمر دموع عايدة بلا توقف وكأنما تستحضر أحداث ذلك اليوم كما انفعالاته. تقول “هم من أجبروني وكل الفدائيين الفلسطينيين على فعل ذلك. ماذا كانوا يتوقعون منا بعد أن اغتصبوا أرضنا وشردونا وسرقوا خيراتنا وأعملوا فينا القتل والتعذيب من غير وجه حق؟ ماذا كانوا ينتظرون أن نفعل؟”.

وبإلقاء القبض على عايدة، كان الإيذان ببدء دوامة التحقيق والتعذيب ومن ثم المحاكمة فالاعتقال فالمنفى. بصوت مثقل بآلام تلك الأعوام، تقول “علمت منهم بعد أن عدت إلى وعيي بأنني نزفت فنقلوا لي دما كثيرا، وبعدها اقتادوني لغرف التحقيق التي كنت أرى والمتعتقلين الفلسطينيين فيها صنوفا لا يتخيلها عقل من التعذيب.. فهذه غرفة يسلطون علينا فيها الأضواء وأخرى….”.

شهقات بكاء لم تلبث أن حاصرت حديث الذكريات، من بين تلك الشهقات أتى صوتها خافتا بينما كانت تقول “حتى أهلي لم يسلموا منهم، لقد كانوا ينادون والدتي لرؤية تعذيبي. وكانوا يعذبون أخي أمامي عندما يعرّونه ويجلسونه على طاولة رفيعة وينقطون على رأسه نقطة باردة جدا وأخرى ساخنة جدا ما يؤثر على عقله. كما أعلموني بهدمهم منزلنا وتشريد عائلتي”.

وإلى جانب الاعتداءات الجسدية والنفسية التي أوقعها المحتلون على عايدة سعد، والتي أشارت إليها مرارا بالإضافة إلى اتباع أسلوب التعرية والإخضاع لعمليات جراحية من دون بنج، تضيف “لعل أصعب يوم عليّ في التعذيب كان ذلك الذي ساقوني فيه إلى إحدى غرف التحقيق كي أتعرف على مسؤولي السابق أبو نبيل الزعيم، وحتى اليوم ما أزال أقسم بأنني لم أعرفه لحظتها لأن ملامح وجهه كانت مطموسة كليا بالدماء والجروح من كثرة التعذيب. وعندما قلت لهم بأنني لم أعرفه قدّوا قميصي حتى تدخّل الزعيم من الغضب، وعرفته عندما تحدث”.

تطرق عايدة برأسها بينما ملامح أسى وآلام ذلك اليوم تتجلى بتفاصيلها في عينيها. تكمل “كثيرون أيضا كانوا يدخلونني عليهم كي أعرفهم. أحدهم رأيته عاريا فيما جنود الاحتلال يضربونه بعصا مدببة مليئة بالدماء، وعندما كنت أقول لهم بأنني لم أعرفهم كانوا يستخدمون أساليبهم للضغط ومنها تعذيبهم أمامي بأساليب لا يمكن وصفها”.

وظلت أيام عايدة على هذا المنوال، حتى حانت لحظة النطق بالحكم التي تجمهر أهالي غزة لها على أبواب المحكمة ترقبا، تقول “لم أكن خائفة، إذ لم أنكر طوال التحقيق ولا أثناء المحكمة تهمتي، بل كنت فخورة بها ومؤمنة بشرعيتها كما أنا حتى اليوم. وعندما نطقوا بالحكم وهو السجن عشرين عاما فقط لأنني تحت السن القانونية ولأنني استهدفت بعمليتي عسكريين وليس مدنيين، عندها سمعت مظاهرات احتجاج خارج المحكمة وصرت أردد لحظتها عاشت فلسطين فلسطين حرة بينما أرفع علامة النصر….”.

تبكي عايدة لدقائق طوال بينما تحدق بعيدا. تعاود القول “وصلني أن عبدالناصر هو من بلّغ ياسر عرفات بالحكم ضدي إذ كان متابعا للقضية. كل ما رأيته هان بمجرد أن علمت أن عبدالناصر نطق باسمي”.

عشر سنوات أمضتها عايدة سعد ورفيقاتها في المعتقل، حتى حصلت عملية النورس التي خاضتها الجبهة الشعبية والتي طالبت فيها بتبادل الأسرى.

وعن تلك الأيام تقول “كنت مخطوبة لابن عمي قبل تنفيذي العملية، وبعد اعتقالي فككت ارتباطي لأنني علمت بأنني لن أخرج شابة من المعتقل. وأمضيت سنواتي العشر هناك في القراءة ولعب الرياضة وتعلم اللغة العبرية. وكانت تسليتنا الوحيدة هي القدرة على إمضاء الوقت في زنزانة انفرادية، إذ كانت إحدانا تتحدى الأخرى بذلك فتخوض مشكلة في المعتقل تُزجّ بعدها 21 يوما في الزنزانة… وهكذا مضت تلك الأيام”.

تردف سعد “وفي يوم اقتادنا جنود الاحتلال ونحن معصوبو الأعين نحو الطائرة، حينها أبلغنا الصليب الأحمر بأن نلتزم الصمت والهدوء لأننا في طريقنا نحو المنفى. وقبل أن تقلع الطائرة أعطانا جنود الاحتلال سائلا وطلبوا منا شربه على أنه ماء، وكان طعم السائل لحميا لزجا، وعندما وصلنا وأزالوا العصابة عن أعيننا كان سائل أبيض يحيط بأفواهنا”.

تدمع سعد من جديد بينما تتحسس رأسها، قائلة “لم تحقق المنظمة في ماهية ذلك السائل عندما وصلنا. ولكن الغريب أننا جميعا أصبنا بالسرطان ومعظمنا توفي بسببه، ومنهم أنا إذ أصابني في رأسي….”.

تنهيدات حسرة تشق صمت المكان. تكمل بعدها عايدة “أقلتنا الطائرة إلى جنيف ومن ثم تشتتنا فمضيت إلى ليبيا فسورية فلبنان فبلغاريا حتى استقر بي مطاف المنفى في دبي”.

تشيح عايدة بوجهها بعيدا، وكأنما تعتب على إيقاظ كل تلك الذكريات الأليمة، بصوت مرتجف تقول “أكثر ما يؤلمني حتى اليوم أمي. لا أصدق أنها احتملت كل ذلك، استشهاد ثلاثة منا وتعذيب الباقين أمام عينيها واعتقالها للضغط علينا. وتخفيها كل يوم مرة بملابس بدوية ومرة فلاحية ومرة مدنية كي ترسل الطعام لأخي الذي كان يعمل ضابطا فلسطينيا… وتوديعها إياي على الهاتف لحظات احتضارها….”.

تجهش عايدة من جديد في بكاء مرير، يزيد من لوعته قولها “حتى اليوم ما أزال أرى كوابيس كثيرة أثناء نومي. أتخيل أنهم قد أخذوا ابنتي فلسطين المتزوجة في كندا وأخضعوها لنفس التعذيب الذي خضعت له، لذا عندما أذهب إليها أوقظها كثيرا أثناء الليل وأحتضنها من خوفي عليها…..”.

تعاود عايدة صمتها الذي لا يرافقه غير دموعها. تبوح بينما لا تركز عيناها على وجهه بعينها “كثيرا ما أتصل برفيقة النضال والمعتقل تيريز هلسة، فأقول لها يا ريت يا تيريز نلتقي ونبكي ونلطم على اللي شفناه، ما حدا رح يفهم علينا إلا إحنا لأننا شفنا العذاب مع بعض”.

تبتسم بينما تكمل “تردّ عليّ تيريز بأن المعتقل لربما كان أفضل حيث كان الوضع المعيشي كريما بدل ضيق ذات اليد الذي نحن فيه حاليا، إذ رفضنا أخذ أي مال أو تبرعات وما نزال نقول مال الثورة يبقى للثورة. ولكن كنا على الأقل نرى أهلنا بانتظام… الآن حياتنا كلها ذكريات أليمة وأوضاع صعبة”.

تختم عايدة سعد، التي تعيش حاليا مع زوجها العراقي الذي يعمل فنانا تشكيليا في دبي، والذي ارتبطت به قبل بضع سنوات بعد طلاقها مبكرا من والد ابنتها فلسطين، قائلة بينما ترتسم كل تلك الصدمات والآلام على محياها “لم ولن أندم يوما… فحتى آخر لحظة لي في هذه الحياة لن أفقد إيماني بعدالة قضيتنا وبحقنا الشرعي في المقاومة”.